العدل لا يمكن أن يجمع بين وظيفته ووظيفة الموثق لثبوت حالة التنافي بين الصفتين
اعتبر الموثق محمد لبداوي ببني ملال أن بعض الآراء المنشورة في الصحف الوطنية، والتي أثارت النقاش القانوني الدائر حول إصلاح منظومة العدالة، وبالضبط مسألة الجمع بين صفة العدل والموثق، أثارت تداعيات من خلال النقاش بين المعنيين في المجال، مؤكدا أنه لا يمكن للموثق أن يجمع بين صفة الموثق والعدل، كما أنه لا يمكن للعدل أن يجمع بين الصفتين، مبررا رأيه بمرتكزات قانونية اعتمدها في بلورته تصوره، مشيرا إلى العقوبات التي تترتب عن انتحال صفة موثق.
وأشار الموثق محمد لبداوي إلى مسألة التعريف القانوني وحدود التماس بين الموثق والعدل، كما هو متعارف عليه بصفة عامة في التشريع المغربي والتشريعات الحديثة، مؤكدا أن الموثق: “ضابط عمومي مفوض له جزء من السلطة العمومية من أجل إضفاء الصبغة الرسمية على الاتفاقات التي يحررها، وهو يؤدي خدمة عامة في إطار حر، ويقوم بجميع الإجراءات القانونية المتعلقة بها.”
أما العدل: ” فهو يتلقى الإشهاد ويحرره طبقا للمواد 12-13-15 من قانون 03-16 المتعلق بخطة العدالة”. وبالتالي للمتعاقدين الخيار أن يقوموا بأنفسهم بالإجراءات القانونية، أو يكلفوا أحد العدلين المتلقيين للشهادة بالقيام بالإجراءات، إذ أن المادة 27 من نفس القانون تنص على ما يلي: “يتلقى الشهادة في آن واحد عدلان منتصبان للإشهاد، غير أنه يسوغ للعدلين عندما يتعذر عليهم تلقي الإشهاد مثنى في آن واحد، أن يتلقياه منفردين بإذن من القاضي …” ولا تكون الوثيقة تامة إلا إذا كانت مذيلة بالخطاب، وتعتبر حينه وثيقة رسمية طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 35 من نفس القانون، معتبرا أن قاضي التوثيق بصراحة القانون، هو الذي يقوم بدور الموثق ويضفي الصبغة الرسمية على الشهادة العدلية. وأما الشهادة بدون خطاب القاضي فلا يمكن الاحتجاج بها، ولا ترقى إلى حجية الوثيقة الرسمية.
وأضاف أن المشرع المغربي جاء واضحا وصريحا، إذ لم يدع مجالا للشك والتغليط، وأمام صراحة النص القانوني ووضوحه فلا اجتهاد ولا تأويل. وطبقا للمادة 4 من قانون 09-32 ، فإنها نصت على أن مهنة التوثيق تتنافى مع مهنة المحامي والعدل… كما أضافت أن كل من يخالف هذه المقتضيات يتعرض للعقوبات التأديبية. ومعنى ذلك أنه يمنع منعا كليا على الموثق أن يتطاول على مهنة العدل. وبمفهوم المخالفة، فان العدل لا يمكن أن يجمع بين الصفتين طبقا لنفس القانون وإلا سيعتبر منتحلا لصفة موثق. فالعدل، كما يقول، يجب أن يظل محتفظا بمركزه القانوني والموثق كذلك. ومن البديهي أن تسمية العدل لا تنقص من قيمته. كما أن إلحاق صفة أخرى إلى كل من العدل والموثق سوف يخلق بلبلة بين المتعاملين. وبالتالي فإن العدل إن اختار أن يصبح موثقا فعليه احترام مقتضيات قانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق، خاصة الشروط والمواصفات المتعلقة بالتكوين والتأهيل والتخصص.
ولهذا علينا تصحيح هذا التغليط القانوني التي تروج له العديد من المنابر الإعلامية، أضف إلى ما سبق أنه من الغريب والعجيب، أن مسودة مقترحات تعديل قانون العدول 03-16. تتبنى هذا الخلط ومن تم وقال لبداوي، إن المشرع المغربي لم يبن هذا التنافي على العبث، بل وعيا منه بالاختلاف الجوهري بين المهنتين، من حيث التكوين الأكاديمي ومدة التمرين والتكوين. وأغلبية العدول لهم معرفة وكفاءات في الشريعة الإسلامية واللغة العربية وأصول الدين ( المادة 6 قانون 03-16) أضف إلى ذلك أن مدة التمرين المخصصة لهم لا تفوق سنة.
واسترسل المتحدث قائلا، إنه يشترط في الموثق حصوله على الإجازة في الحقوق، وإذا كان قانون 09-32، المنظم لمهنة التوثيق، يحدد بعد اجتياز مباراة الولوج مدة التمرين في أربع سنوات، فان الواقع الفعلي يفرز لنا أن متوسط المدة يتجاوز سبع سنوات من التمرين بل أحيانا تفوق عشر سنوات. وطول مدة التمرين تفسر بصرامة التكوين حيث إنه يشمل المجال القانوني، بما في ذلك القانون العقاري، القانون التجاري، قانون الشركات، القانون الضرائبي، قانون المحاسبة، القانون الدولي الخاص، قانون الأحوال الشخصية، التنظيم القضائي، المساطر القضائية.
وأضاف أن المقصود بذلك جودة التكوين القانوني للموثق حتى يصبح مؤهلا لمواكبة مشاريع استثمارية، ومواجهة تحديات العولمة والانفتاح على التشريعات والقوانين الأجنبية.
وعن التداعيات القانونية لانتحال صفة موثق بدون وجه حق، أكد لبداوي أن المشرع المغربي فطن لهذه المسألة ونص صراحة في المادة 93 من قانون 09-32 المنظم لمهنة التوثيق العصري، على أن كل من ادعى صفة موثق دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل هذه الصفة واستعمل أي وسيلة ليوهم الغير أنه يزاول مهنة التوثيق يعتبر منتحلا لمهنة نظمها القانون ويعاقب بالعقوبات المنصوص عليها في الفصل 381 من قانون الجنائي المغربي. كما لا يخفى على أحد، أن القانون الجنائي مهمته هي حماية المجتمع وردع كل من يخرق القانون من أجل استقرار المعاملات واستبعاد الفوضى عن مجتمعنا الذي هو في غنى عنها، مضيفا أن العقوبة المحددة هي الحبس من 3 أشهر الى سنتين وغرامة مالية من 120 درهم الى 5000 أو إحدى هاتين العقوبتين ما لم يوجد نص خاص يقرر عقوبة أشد.
وختم المتحدث قوله، إنه لا يحق الجمع بين الصفتين صفة موثق- عدل أو عدل- موثق، إذ يتعين علينا أن نحترم المركز القانوني المخصص لكل مهنة على حدة طبقا للقانون، وإن نشر هذا التغليط القانوني لن يساهم إلا في خلخلة ثقة المواطنين في مؤسستي العدول والموثقين معا ما يسفر عنه عدم استقرار المعاملات وعدم الحفاظ على أغراض الناس وبالتالي ينعكس سلبا على الأمن التعاقدي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية لبلدنا وملكيتنا الشريفة.