أخبار العالم

حرارة غير مشهودة تجثم على القلوب ببني ملال

العين الإخبارية/ سعيد فالق

لا صوت يعلو على لغة الحرارة ببني ملال، الكل يتنفس هواء ثقيلا مزيجا من الغبار وعسر التنفس بعد أن جثمت سحابة صيف قاتمة حجبت حرارتها نعومة الحياة، ونفذت إلى مضاجع ومساكن السكان الذين ينتظرون الساعات الأولى من الفجر كي ينعموا بنوم هادئ استعصى عليهم بفعل الحرارة المفرطة التي سجلت أكثر من 40 درجة في منتصف الليل، دون الحديث عن 52 درجة بعد أن تتوسط الشمس كبد السماء.

تترقب ساكنة المدينة انجلاء الغمة التي يتجرعون مرارتها منذ أسبوعين، بعد أن سجلت الحرارة درجات قياسية، لم تنفع معها لا مكيفات الهواء ولا أقباء المنازل التي يحتمي بها أفراد العائلة منتظرين بصبر انفراج حالة الطقس، لتعود الحياة إلى طبيعتها، ويتحرر الصغار من هواجس يومية ناجمة عن سياط الحرارة التي تلسع الأجساد بقسوة لا مثيل لها.

يتحدث مواطنون للصباح، لم يتمكنوا من السفر خارج المدينة لسبب من الأسباب، مؤكدين أنهم لا يستمتعون إلا بلحظات قليلة من النوم، ينعمون بها  في الساعات الأولى من فجر كل يوم، لكن سرعان ما تعود كوابيس الحرارة في الصباح ذاته، لتتكرر مأساتهم اليومية مع الحرارة التي شلت الحركة بالمدينة وفرضت إيقاعا ولغة خاصة على الحياة اليومية للساكنة،  يجبرون أنفسهم على المكوث في المنازل وقت القيلولة، لأنه أنه في حالة عدم الامتثال للإيقاعات الجديدة، يصاب الرافضون بضربات شمس قاتلة أحيانا لا تنفع معه الأدوية الطبية ولا مسكنات الألم.

يتحول الجبل الذي يحيط بخاصرة المدينة والمدار السياحي لعين أسردون ليلا، إلى ملاذ للأسر التي تهرب بسياراتها إلى أعلى الجبل للاستمتاع بببرودة الطقس التي يلطف من أجوائه غطاء نباتي  ظل يقاوم الحرارة والعطش  رغم الجفاف الذي ضرب المنطقة، ويوفر الظلال للهاربين من جحيم الحرارة التي لا يطاق.

ونظرا للهروب الجماعي لساكنة المدينة ليلا نحو الجبل، بعد أن اكتسحت الحرارة كل الفضاءات الآمنة،  والتي لم تستثن منتجع عين أسردون الذي تحول إلى فرن ساخن، شهدت الطرقات المؤدية إلي أعلى الجبل ضغطا كبيرا ساهم أحيانا  في وقوع انقطاعات متكررة لحركة السير والجولان نظرا للعدد الهائل من السيارات التي تود العبور إلى الجبل ، لاقتناص لحظات فرح لا تتأتى لعموم المواطنين الذي يكتوون بنار جنهم السفلى لم تشهدها المدينة مثيلا لها من قبل، وزاد من حدتها ندرة المياه التي تنتقطع فترات بسبب الخصاص المهول في السدود والعيون ومجاري المياه التي تحولت إلى ذكريات جميلة في مخيلة الناس.

وأمام كابوس الحرارة الذي يلهب جدران المنازل، يبلل الراغبون في اقتناص لحظات سعادة مستعصية ل أغطيتهم وأفرشتهم بالماء البارد لضمان قسط يسير من البرودة فضلا عن رشهم ثيابهم بقطرات باردة لينعموا بنوم هادئ، يتحول إلى أمنيات في مدينة الأشباح التي أصبح فيها العيش مستحيلا في فصل الصيف، بعد أن تم تدمير مروجها وحقولها الخضراء وتحويلها إلى بنايات إسمنية حارقة في فصل الصيف.

لم يعد للصغار ملاذات آمنة للسباحة، بعد أن جفت الأودية وغاضت مياه الآبار، ولم يتبق لهم سوى المسابح الخاصة التي تتطلب توفير مبالغ مالية لا يقدر أولياؤهم على توفيرها بعد توالي الأزمات المادية ، وبالتالي فهم ينتظرون مفاجئات أسرية مستحيلة تضمن لهم الاستمتاع بمياه مسابح تحولت إلى  رغبات مجهضة لا تتحقق إلا بقدوم ضيف من الخارج يجود عليهم بمبلغ مالي يسعدهم ولو مرة واحدة في العمر.

حتى الحدائق المحاذية للشوارع الرئيسية بالمدينة (شارع محمد السادس مثلا ) والفضاءات الخضراء التي توفر قسطا من الراحة للعديد من الأسر ببني ملال ، جفت أعشابها للنقص المهول في مياه السقي رغم محاولات إنقاذها التي تتطلب توفير كميات من الماء  الذي أأصبح عملة نادرة، في منطقة كانت تتوفر على أكبر فرشة مائية فضلا عن حقينة سد بين الويدان  الذي يمد الساكنة بمياه الشرب ، وزاد من شحوبها غياب ثقافة بيئية لدى عموم  المواطنين الذين يحتلون جنباتها، ويمشون بدون احترام فوق أعشابها ، فضلا عن الانتشار المثير لجحافل  قادمة من جنوب الصحراء، اتخذت الحدائق فضاءات للنوم وللاجتماعات وحولتها إلى مزابل تشوه جمالية المدينة.

                                                                                                        

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى