تحدي قاض مدعيا أثناء محاكمته يثير سخرية الحاضرين
رغم السنوات الطوال التي مرت على الحادث، ما زال الموقف المثير للسخرية الذي حدث بإحدى القاعات بالمحكمة الابتدائية، يرخي بظلاله على ذاكرة أحد المرتفقين الذي حضر بالصدفة محاكمة نصاب استطاع في ظرف وجيز، أن يسقط في شباكه العديد من الضحايا الذين سلبهم أموالهم، بعد ادعائه امتلاكه قدرات خارقة، منحته فرصة الاطلاع على مصائر الناس والتحكم في مستقبلهم، ما جعله يكسب ثقة الضحايا الذين صاروا يعدون بالمئات، بعد أن تناقل سكان المدينة كراماته وأخباره التي يحار العقل في تفسيرها.
لم يكن هذا ” العراف” الذي ذاع صيته فجأة في مدينة صغيرة، ينتشر فيها الخبر انتشار النار في الهشيم، أن يصبح قبلة للعديد من الزوار الذين يقصدون بيته، من أجل نيل بركته لطرد النحس الذي بات يلازمهم، بل أصبح سوء الطالع يحول دون بلوغهم مقاصدهم، علما أن أشخاصا زاروه ونالوا بركته، بعدها تحولت حياتهم إلى الأفضل، وصار الحظ يلازمهم.
لم يكن “المدعي” بامتلاكه قدرات غيبية، سوى رجل يحترف النصب والاحتيال بعد أن عاش تجارب فاشلة، تتقل على إثرها بين عدة مدن، عندما انكشف أمره بين ضحاياه الذين وقفوا على حقيقة أمره وطويته، إذ طالبوه باستعادة أموالهم التي سلبها منهم عن طريق الحيلة، ونظرا لأن المبالغ المالية التي كان يتحصلها من ضحاياه كانت كبيرة، كان يتسلل ليلا تحت جنح الظلام إلى وجهات مجهولة، هروبا من المترصدين الذين كانوا يطالبونه بأموالهم، ليستقر في فضاء جديد لنسج علاقات أخرى، بعد تصيده ضحايا لا يكتشفون حقيقة أمره إلا بعد فوات الأوان.
وتتفتق مواهب المدعي، في كل تجربة جديدة، ليخرج من قبعته السحرية، مقالب ومصائد لا يترك فيها لضحاياه الذين يزداد عددهم مع مرور الأيام، أي فرصة لسلبهم الأموال بعد الاحتيال عليهم، بادعاءاته المتمثلة في قدرته على إسعادهم، وتزويج بناتهم البائرات، فضلا عن امتلاكه ترياقا يشفيهم من كل الأمراض الخطيرة، وتوفره على أحجبة ضد السحر، إضافة أنه يعلم مصائر الأشخاص، وبالتالي هو يمتلك القدرة على إبعاد كل الشرور عنهم.
لا تسلم الجرة كل مرة، كما يقول المثل العربي، وبعد أن أدرك ضحاياه في المدينة حقيقة أمره المزعومة، تقدموا بشكايات ضده إلى المصالح الأمنية التي سارعت إلى إيقافه والاستماع إليه، وأصر المشتكون على متابعته، علما أنه حاول نفي التهم الموجهة إليه، معتبرا الاتهامات شكايات كيدية، تريد الميل من كرامته.
حددت المحكمة الابتدائية جلستها الأولى، لمحاكمة المدعي الذي انتشر خبر إيقافه في المدينة بعد أن أصبح نارا على علم، و تقدم الضحايا بشكايات ضده لاتهامه بالنصب والاحتيال، وحمل الشغف العديد من المواطنين، للتوجه إلى قاعة المحكمة لمعرفة مآل ملفه الذي صار شغل الناس، ونظرا للأعداد الكبيرة للفضوليين الذين حضروا في موعد الجلسة، سادت قاعة المحكمة جلبة وضوضاء كبيران، لم يكسرهما إلا صوت رئيس الجلسة الذي حث كل الحاضرين على التزام الصمت ضمانا لمحاكمة نزيهة، ولفسح المجال أمام الظنين للدفاع عن نفسه ودحض كل الاتهامات الموجهة إليه في صك الاتهام.
بعد تأكيد هوية الظنين قبل انطلاق فصول المحاكمة، أعطى رئيس الجلسة للمشتكى به فرصة الحديث لإبراز ما يشد الناس إليه، علما أن سيرته الغنية بالمفاجئات في مجال النصب والادعاءات الكاذبة، خلفت مزيدا من الضحايا الذين لم يفطنوا إلى حقيقته إلا بعد مرور وقت طويل.
لم يتراجع الظنين عن ادعاءاته الكاذبة التي تبشر بامتلاكه قدرات خارقة، وقدرته على معرفة مصائر الناس، رغم أن قاضي الجلسة حاول إقناعه بالتراجع عن أقواله، واعتبار أن ما كان يقوم به من أفعال، لم تكن سوى نزوات شيطانية ألمت به، لكن الظنين وفي محاولة يائسة منه لإقناع القاضي، استمر في تعداد بركته التي طال خيرها العميم العديد من المرضى والمصابين بكل أنواع ” العكس” ما أقلق القاضي الذي أخرج من جيبه ، ورقة نقدية، ثم وضعها في قبضة يده، وأمر الظنين بالكشف عن حقيقة قيمتها المالية ” إن كان يعلم الغيب” كما يدعي دون خجل.
أصيب الظنين بصدمة مفاجئة، وران على القاعة صمت ثقيل، وتوجهت الأنظار نحو المدعي الذي جحظت عيناه من هول الصدمة، إذ ابتلع لسانه ولم ينبس ببنت شفة، بعدها انفجرت القاعة بالضحك، وانطلقت القهقهات بين صفوف الحاضرين، ولم تسترجع القاعة هدوءها إلا بعد أن تدخل القاضي الذي أمر برفع الجلسة.