أراء وكتاب

قراءة لقانون الإطار رقم 21ــ09 المتعلق بالحماية الاجتماعية

بقلم: فتيحة التوازني، باحثة في القانون الخاص، بكلية متعددة التخصصات بني ملال.

تعرف معظم دول العالم تباينات اقتصادية، وارتفاع نسبة الفقر والهشاشة التي تطول شرائح اجتماعية متعددة، خاصة منها الدول في طريق النمو، حيث تتعرض أغلب فئاتها الاجتماعية المستضعفة للحرمان والهشاشة، التي تؤدي إلى آثار وخيمة تؤثر على حياة الشعوب وعلى صحتهم البدنية وفقدانهم سبل العيش، علاوة على الآثار الاجتماعية السلبية على وضعية العمال والمشتغلين في القطاعات الغير مهيكلة ما دفع  بعض هذه الدول إلى وضع برامج من أجل علاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، من خلال توفير الاحتياجات الأساسية للأسر التي تعيش في فقر مدقع، وتوفير الرعاية الصحية للفئات الأولى بالرعاية، وحماية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوفير الحماية الأدنى للطبقة المستضعفة ومحدودي الدخل،  لتحقيق التوازن بين عمليات الإصلاح من جانب، وتوفير الحماية الاجتماعية للمواطن من جانب آخر، وتعزيز الرأسمال البشري، الذي يعتبر هدفا رئيسيا من أهداف السياسة الإنمائية، بضمان مشاركة الفئات الضعيفة في عملية التنمية.

وتسعى المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان إلى تكريس الحق في الحماية الاجتماعية، حيث يؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على أن لكل شخص بوصفه عضوا في المجتمع، حقا في الضمان الاجتماعي(المادة 22)، وفي الحماية الاجتماعية (المادة 23)، وله الحق في التأمين عن البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة، وغير ذلك من الظروف الخارجة عن إرادته التي تفقده أسباب العيش، وللأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين، كما أقرت الدول الأطراف في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحق كل شخص في الضمان الاجتماعي، بما في ذلك الـتأمينات الاجتماعية (المادة 9)، كما حددت لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في التعليق العام رقم 3 الصادر سنة 1990، معايير الحد الأدنى للضمان الاجتماعي، واعتبرتها ــ على أقل تقديرــ بالمستويات الدنيا لكل حق من الحقوق.

        كما صدرت عن منظمة العمل الدولية العديد من القوانين والاتفاقيات الدولية، في مجال الحماية الاجتماعية، منها الاتفاقية الدولية رقم 102، بشأن المعايير الدنيا للضمان الاجتماعي التي صدرت سنة 1952.

        والمغرب ينظر إلى الحماية الاجتماعية باعتبارها حقا من حقوق الإنسان،  ما كرسه  الدستور، من خلال الفصل 31، وكمدخل حقيقي للنهوض بالعنصر البشري، أطلق المغرب مجموعة من البرامج الاجتماعية في مقدمتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبرنامج دعم الأرامل، وبرنامج “تيسير” لدعم تمدرس الأطفال، وبرنامج التغطية الاجتماعية “راميد”، الخاص بدعم الفئات الغير النشيطة في مجال التغطية الصحية، وإحداث صندوق دعم جائحة كوفيد 19، لدعم الطبقة الهشة في ظل زمن الوباء.

 وتستكمل اليوم سلسلة المكاسب الاجتماعية، بإصدار مشروع قانون ــ إطار رقم 21.09، يتعلق بالحماية الاجتماعية، التي أشار إليها عاهل البلاد الملك محمد السادس في خطابه، بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ 9 أكتوبر 2020، وهي منظومة  توفر الحماية الاجتماعية لفئات واسعة، والتي تضم فئات المهنيين، والعمال المستقلين، والأشخاص غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا، ويرتقب أن يصل عدد هذه الفئات المستهدفة إلى 22 مليون مستفيد من التغطية الصحية الإجبارية، التي تغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء بحلول نهاية 2022، وتعميم التعويضات العائلية، التي سيستفيد منها حوالي سبعة ملايين طفل في سن التمدرس، وذلك من خلال معالجة الهدر المدرسي، عبر دعم الأسر التي لديها أطفال دون سن 21 سنة، وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، لتشمل الأشخاص الغير أجراء الذين يمارسون عملا، ولا يستفيدون من أي معاش، وتعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الفئات الذين يتوفرون على شغل قار، كما سيعمل  المشروع على دعم القدرة الشرائية للأسر الفقيرة الغير مستفيدة من نظام الحماية من المخاطر المرتبطة بالطفولة.

 وسيتم تنزيل هذا الإصلاح داخل أجل خمس سنوات، عبر تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، وتعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، ثم تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025.

        ويرتكز تمويل هذا المشروع على اشتراك المنخرطين حسب قدرتهم على المساهمة، وعلى الواجبات التكميلية التي تفرضها الدولة على بعض الفئات المهنية، وعلى موارد الدولة من العائدات الضريبية، والموارد المتأتية من إصلاح نظام المقاصة.

إذن، قانون الإطار الجديد يحاول معالجة التجزيء في نظام الحماية الاجتماعية، في أفق شموليتها لمجموع المواطنين وتجانسها، بما يكفل تغطية صحية لائقة لمجموع المواطنين في جميع مراحل عمرهم، وضمان دونيات العيش الكريم للفئات المعوزة، لكن يجب أن يدعم البرنامج بحسن التنزيل، وحكامة المؤسسات المشرفة على تدبيره، والتي ينبغي أن تقوم على مبادئ الديمقراطية والنزاهة ونظام محاسبي وموحد للمعلومات وللمحاسبة، فيما يتعلق بالأداء في مجال التغطية الاجتماعية، وتعزيز مؤسسات الرقابة (المؤسسات الحكومية، المجلس الأعلى للحسابات، هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي….) خاصة وأن المغرب يحمل نقط سوداء في مسيرة صناديقه الاجتماعية، التي تم نهب أموالها، المدعمة من جيوب أجيال من المواطنين.

كما ينبغي  التحسين المستمر لمستوى الخدمات الاجتماعية التي ينادي بها المجتمع الدولي اليوم، لأن الإصلاحات المرحلية التي يقوم بها البرنامج، يجب أن تواكب إصلاح أرضية للحماية الاجتماعية، منها المؤسسات الحاضنة لها، من مستشفيات ومصحات ومدارس ودور عجزة وأيتام، وتكريس التكافؤ بين العرض والطلب، ويجب أن يعي كل متدخل في هذه القطاعات أن الخدمة الاجتماعية هي غير مشروطة، ولا تنبع من قيم التعاطف والكرم والإحسان، وإنما من باب الواجب الوطني، وأنها حق ودين لكل فرد على المجتمع، و تكريس لتوزيع الثروة، ولعدالة توزيع موارد الدولة.

        لكن ما يظهر من خلال مشروع قانون الإطار، أنه يغيب فئات معينة من حق الاستفادة من هذا النظام، رغم خصوصية وضعها، باعتبارها الفئات الأشد عوزا وهشاشة، وهي فئات النساء والعجزة والأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، خاصة وأن قانون رقم 92ــ 07 المتعلق بالرعاية الاجتماعية للأشخاص المعاقين، يغيب دور التغطية الصحية والإعانات والمعاشات لهذه الفئات، التي تقتضي وضعيتها رعاية طبية خاصة، رغم أنها تحظى باهتمام خاص من طرف المجتمع الدولي والمواثيق الدولية، .بما يكفل لها تغطية اجتماعية شاملة وذات خصوصية مقننة تشريعا، دون تجزيء أو شروط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى