أخبار جهوية

صيف بني ملال لا كالأصياف، لهيب نار وعذاب يومي للأسر

العين الإخبارية روبرتاج

تلوك ألسن ساكنة بني ملال التي قطنت بالمدينة منذ زمن بعيد، انبجاس ماء عين أسردون التي ارتبط ظهورها بقوى خارقة، قبل أن يتم نسج حكاية تحولت إلى وثيقة شفوية، تقول إن رجلا كان يركب بغلا ” أسردون” جاء إلى القوم الحائرين بعد انقطاع ماء العين، يحمل أسرار لا يملكها أحد غيره، وقال إنه لديه العزيمة لإعادة المياه إلى مجاريها، وبن يبوح بها إلا بإمداده بكميات الفضة والذهب، التي حملها على ظهر البغل وانصرف..

تضيف الحكاية الشعبية، أن عيونا ترصدت الرجل الغريب الذي كان يركب” أسردون بالأمازيغية” واقتفت أثره، وثم قتلته بعد ضمان عودة الماء حتى لا يعود إلى فعلته الماكرة، ويبتز الأهالي من جديد بوضعه الصوف في مجاري المياه التي توجد في تخوم الجبل، ولا يعرفها مكانها أحد إلا هو..

لم تجد المياه المتدفقة من ينابيع عين أسردون نفعا في تلطيف أجواء المدينة في فصل التي تشتد فيها الحرارة وتصل أقصى درجاتها، لم تنفع الحقول الممتدة على أطراف البصر لتخفيف لظى جهنم الذي يضرب المدينة بسياط لا ترحم.. لا لغة تعلو على لغة الجحيم اليومي الذي يحل بالمدينة…

ترتبط صورة بني ملال صيفا في المخيال الشعبي بارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف إلى حد لا يطاق، رغم توفر حقول الزيتون والأشجار المثمرة الممتدة مسافات طويلة وكان لعين أسردون الفضل الكبير على نمو الغطاء النباتي وتنوعه، ما يذيق ساكنتها مرارة العيش، إذ  تتحول البيوت إلى فرن حقيقي يشوي الوجوه، ويحرق الأجساد التي تكابد قساوة لا تضاهى، في غياب تام لمرافق الترفيه والترويح عن النفس، فضلا عن تدمير الحدائق التي تم إتلافها إما بإهمالها أو تحويلها إلى بنايات إسمنتية، ضمنت ربحا وفيرا للمضاربين في مجالات العقار بعد أن تمكنوا من حيازتها وضمها  إلى ممتلكاتهم، وحرموا ساكنة المدينة من فضاءات خضراء، على الأقل كان وجودها يعطي للصغار فرصة الهروب مؤقتا من لهيب صيف حارق. وتزداد درجة الحرارة ارتفاعا كل سنة، بسبب التغيرات المناخية التي يشهدها العالم فضلا عن الهجوم الكاسح على الغطاء النباتي للمدينة، ما ينبئ بحياة صعبة للساكنة التي تنتظرها سنوات صعبة في الأيام القادمة، إذا لم يتم التفكير في توطين فضاءات خضراء وحدائق تستقطب أعداد النساء والأطفال الهاربات من جحيم الأفران الملتهبة في البيوت، لقضاء فترات ممتعة بين أحضان الشجر الوارف، وعبق النباتات الخضراء المتنوعة التي تمنحهم فرصة التخفيف من جحيم معاناتهم اليومية التي لا تدركها إلا ربات البيوت اللواتي يضطررن بعد أن تتوسط الشمس كبد السماء في عز الصيف، لسكب سطول الماء” وتبليل” ملابسهن بالماء تخفيفا لمعاناتهن، وبحثا عن الرطوبة التي تمنح أجسادهن الواهنة انتعاشة مؤقتة، لكن سرعان ما تتلاشى المتعة العابرة، وتتكرر المعاناة من جديد مع ارتفاع حرارة البيوت التي لا تطاق، وتعيد الأمهات المحاصرات اللواتي لم تتمكن من السفر لهشاشة وضعهن الاجتماعي، الكرة مرة ثانية وبسكب سطول الماء الإضافية، لتبليل ثيابهن وسرقة لحظات باردة للقيام بواجباتهن المنزلية، إنه مشهد سريالي لا تعرضه إلا مسرحيات التيار العبثي.

أين يقضي شباب المدينة أوقات فراغه صيفا؟

الملاذ الوحيد للأسر ببني ملال هو منتجع عين أسردون الذي يقصده الزوار من كل حدب وصوب وتتسبب أعداد الزوار في فصل الصيف في اختناق فضاءاته وحتى القريبة من شلالات الماء، وتلوذ الأسر  ليلا فضاء بويعقوب  القريب من المدار السياحي الذي يمتلئ عن آخره لوجود تيار بارد يخفض درجات الحرارة ست درجات  أو أكثر عما يتم تسجيله وسط المدينة، لكن عدم تهيئته لا يغري الساكنة بالعودة إليه لعدم إحساس الزوار أحيانا بالأمن رغم الحملات الأمنية التي تتضاعف في فصل الصيف، فضلا عن غياب مرافق توفر الراحة لزوار المنتجع.

لا صيف هادئ لربات البيوت في فصل الصيف:

لا صيف لربات البيوت في مدينة بني ملال، معاناة مزدوجة في البيوت وخارجها، إنهن تقمن بواجباتهن المنزلية وتحرصن على توفير حاجيات أسرهن داخل مساكن تتحول إلى جحيم لا يطاق بعد ارتفاع درجات الحرارة، وتصبح الحياة بطيئة والمعاناة أقوى لارتباط الأمهات بأبنائهن الصغار الذين تزداد حاجاتهم إلى العناية في فصل الصيف، وطبعا فإن دور الأم يفرض عليها السهر على طلبات أبنائها ويطول مكوثها في المنزل ساعات يتعطل فيها الزمن ما يؤدي إلى اختناق النفوس التي تبحث عن فضاءات للتنفيس والبحث عن الأمان الروحي.

تخرج ربات البيوت في أول فرصة تتاح لهن للبحث عن متنفس لعله يخفف عنهن ثقل وصعوبة الحياة التي تتضاعف في فصل الصيف، ترتمين في أحضان أي مكان يبدو أنه من بين المتنزهات النادرة التي تقاوم إهمال مدينة مازالت تحتفظ بسواقيها التي تخترق شوارعها رغم قلة الماء، وكان عدد منها يمثل عنوان أمل لأطفال والشباب الذين يحجون إليها في فصل الصيف، بهدف السباحة وتخفيف لظى شمس حارقة لا يمكن مقاومتها لما تشكله من مخاطر صحية على كل مغامر يعلن نفسها متحديا لها.

رحلات جماعية للشباب إلى ينابيع الماء والأودية التي تراجع مستواها بعد الجفاف:

كان الشباب يشدون الرحال إلى الأودية خارج المدينة وقنوات الري لقضاء يوم جميل مع الأقران بعد أن يستيقظوا صباحا، للاستمتاع بيوم كامل في السباحة والمغامرات الجميلة إلى حبين حلول الظلام، ويعود الجميع إلى بيوتهم بعد أن قضوا يوما ممتعا بين أحضان الطبيعة.

ولتعزيز روح الجماعة،  ينظم شباب الحي رحلات جماعية، إلى منطقة أوشرح بفم العنصر وعيون تامدة بزاوية الشيخ ومنتجع تاغبلوت بالقصيبة الذي تحول إلى خراب لإهماله من قبل المسؤولين، وكان الجميع يقضون صيفا ممتعا يتوج باكتساب الجمبع تجارب تؤهلهم لتحمل المسؤولية، وذلك بفضل الاحتكاك مع الآخرين وتبادر الخبرات.

 ولرفع التحدي، يتنظم مجموعة منهم رحلات جماعية إلى شلالات أوزود ليقضوا بين أحضان الطبيعة أسابيع أو أكثر وبتكاليف أقل ويعودون في نهاية الرحلة محملين بتجارب تستثمر في حياتهم اليومية.

في حين أن لآخرين، يشدون الرحال إلى مدن الشمال (السعيدية، مارتيل، طنجة، العرائش) لكسب مزيد من التجربة، وكان شباب الحي المقابل يسافرون إلى مدن (أكدير، وآسفي، والصويرة) ما يتيح لهؤلاء الشباب فرصة الاطلاع على تراث بلادهم وكسب تجارب ميدانية بعد الاحتكاك بالآخرين.

تلاشي رغبة السفر الجماعي وانشغالهم بالعوالم الرقمية

لم تعد اليوم، الرغبة في السفر الجماعي أمرا محمودا لطغيان بسبب الفردانية والأنانية التي ترسخت في الصدور، في غياب وعي شامل بأهمية السفر وركوب المخاطر، إذ يكتفي شباب اليوم بعقد لقاءات جماعية في المقاهي سيما ليلا بعد انخفاض درجات الحرارة، ويتبارى المجتمعون في المراهنة والتحدي للتعاطي إلى مواد تخديرية تدمر كيان الشباب الذين يرتمون في عالم المخدرات لأنها أصبحت في متناولهم ناهيك عن انجذابهم بالعالم الرقمي  الذي دمر كيانهم  ورمى ببعضهم إلى مستنقع الحياة.

حدائق غير مؤهلة للاستجابة لتطلعات السكان الهاربين من الجحيم.

تبحث النساء الهاربات من لظى البيوت الملتهبة، عن حدائق لم تعد إلا عناوين لفترة زاهية قبل أن يطولها النسيا وتتحول إلى أوكار للمشردين والخارجين عن القانون،  لم يبق لديهم ما يحتمين به من حرارة الشمس سوى مدارات طرقية تتوسطها نافورات مياه تلطف الأجواء ويحف بها عشب أخضر يتحول إلى مزار لأنه المتنفس الوحيد لاستقبال جحافل النساء اللواتي يتخذنه متكأ لهن، وتتحول شوارع المدينة الرئيسية إلى حدائق  ومنتزهات متنقلة تثير شهية النساء المحرومات من الرطوبة الفاتنة.

ويفاجأ زوار المينة بأعداد النساء وأطفالهن يحجون إلى الشوارع الرئيسية لرغبة الأمهات في قضاء فترات من الراحة افتقدنها في البيوت، كما يجد أطفالهن فرصة اللعب والهرج والمرج، لكن على حساب المارة الذين يتقززون من مشاهد غير مألوفة، وطبعا تمعن النساء في ممارسة ما يعتبرنه حقا لهم، ويقضين فترة أطول في الشوارع العامة بعد انخفاض درجة الحرارة، ولا يعدن إلى منازلهن، عفوا إلى جحيمهن إلا بعد منتصف الليل، في انتظار فصل جديد من المعاناة اليومية التي يكابدنها بفعل الحرارة التي تطوق المدينة، ويجفو النوم عيونهن ويقضين وقتهن في البحث عن وسائل مبتكرة لتخفيف جحيم درجات الحرارة التي تستعيد سطوتها مع أولى طلعات الفجر، وتبدأ من جديد معاناة سيزيفية لا تنتهي.

الأطفال لا يجدون متنفسا لممارسة شغبهم وانعدام حدائق للترويح عن النفس.

في فصل الصيف، وفي ظل انعدام إمكانية السفر إلى مدينة شاطئية، تتضاعف معاناة الصغار  لعدم وجود ملاعب القرب بمحاذاة أحيائهم، يفجرون فيها طاقاتهم ويمارسون شغب الطفولة.

لقد تم أخيرا إصلاح ملاعب القرب بالمدينة بمحاذاة شوارع رئيسية بالمدينة، بعد ترميم عشبها الاصطناعي حتى تكون جاهزة لمحبي الرياضة، لكن يحرم الصغار من خدماتها ويظلون مرتبطين بأمهاتهم، ليصبح سكان الحي الخاسر الأكبر لأنهم يتضررون بالشغب المتزايد لشريحة من الأطفال التي لم تتمكن من السفر لسبب من الأسباب.

يظل الصغار مجتمعين بالقرب من المنازل للعب وقتا طويلا، مزعجين الجيران الذين يفضل بعضهم الرحيل بدل العيش في معاناة أبدية قد تتحول إلى كارثة عندما لا يضبط المرء أعصابه، وطبعا فإن غياب فضاءات الترفيه لملء أوقات الصغار في فصل الصيف، يمنح الصغار فرصة أكبر للخروج إلى الشارع وارتكاب حماقات يمكن أن يكون لها تأثير خطير على مستقبلهم، في غياب إمكانيات للسفر والتخفيف عن النفوس ما نزل بها من محن ومصائب طوال سنة دراسية مثقلة بالبرامج وسعي الحثيث لتحقيق نتائج أفضل.

لا تتاح لكل الأطفال في بني ملال فرصة الاستمتاع بمخيمات صيفية سواء في إطار البرامج التي تقوم بها وزارة الشباب والرياضة التي تتكفل بها جمعيات تنتقي بعض الأطفال المحظوظين للاستمتاع بعطلة بشاطئ الحوزية أو الواليدية، أو تتطوع أسرته بعد أن جمعت ما فضل عنها من دريهمات لتنظيم سفر قصير إلى أقرب شاطئ، وهو أمر يبقى بعيد المنال لأن معظم الأطفال ينتمون إلى طبقات هشة، فضلا عن أنهم لا يملكون ثقافة الترفيه أو التخييم، كل ما يعرفونه أنه يظلون بجوار أمهاتهم في فصل الصيف الذي يقضونه في أجواء  صيفية حارة، وحتى إن سنحت له الظروف سيحظى الطفل بدريهمات من أسرته يؤديها إلى مالك مسبح خاص، ليقضي يومه في مسبح خاص تحت أشعة شمس حارقة سرعان ما تتحول إلى حمى قد تكون قاتلة.

ليالي بني ملال الصيفية لا كالليالي

ينتظر الصغار حلول الظلام بشغف كبير بعد أن تخلصوا من عبء واجباتهم المنزلية ويترقبون هبوب نسمات الريح ليلا بعد فترات اختناق ذاقت فيها الأنفس ألما كبيرا يوما كاملا، منتظرين قدوم أقرانهم لإجراء مباراة قد تمتد ليلة كاملة، وقد لا تنتهي حتى الصباح.

رغم احتجاج الساكنة ورفض قاطني الحي الذين يجافي النوم عيونهم، أولا بفعل الحرارة التي تصل ليلا 38 درجة،  فضلا عن الضجيج والصراخ المتزايد للصغار الذين لا يعرفون لغة أخرى للتواصل سوى لغة الخناق وتبادل اللكمات، وهي أمور صارت مضمونة لدى جميع الأطفال الذين ينهون مناوشاتهم في وقتها، ويرتبون حساباتهم فيما بينهم بتصريف أحقادهم بسلام دون أن يصل خبر المواجهات إلى الوالدين أو إلى المحاكم.                                                                               

   سعيد فالق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى