أخبار جهوية

بني ملال تتشح بالسواد بعد غرق العبارة في السواحل الإيطالية

 

 لم تلتئم بعد الجراح النفسية لأسر ضحايا مركب الموت الذي غرق أخيرا في سواحل الشواطئ الإيطالية، وكان على متنه ما يقارب 650 من الضحايا، يمثلون جنسيات متعددة، ومن بينها المغرب الذي فضل بعض أبنائه الهجرة عبر قوارب ركوب الموت إلى الضفة الأخرى بحثا عن عالم يستشعرون فيه ،حسب اعتقادهم، إنسانيتهم وكرامتهم بعد أن يئسوا من البطالة التي ولدت لديهم معاناة سيزيفية لا حدود لها.
أمهات ينتظرن الفرج الذي يخبو يوما بعد يوم، بعد أن تبين أن عدم الخوض في ملف المفقودين أهون من الكشف عن  مصير غرقى العبارة التي ابتلعها الماء، وغارت في أعماق البحر، وفي جوفها العشرات من الضحايا  لم يتمكنوا من النجاة بعد أن أدركهم الماء، علما أن الناجين منهم كانوا على السطح  وأنقذتهم شرطة خفر السواحل الإيطالية من موت محقق بتوفيرها وسائل النجاة والإسعاف للضحايا، لكنها التي لم تكن كافية لإسعاف آخرين انضافوا إلى أعداد الغرقى لعدم إتقانهم فن السباحة.
حي بوعشوش بمدينة بني ملال يتشح بالسواد منذ علمت مجموعة من الأسر غرق القارب الذي كان على متنه العشرات من أبناء المنطقة، فضلا عن مناطق أخرى (السراغنة، ابن أحمد، البروج ) كانوا يمنون أنفسهم بالهجرة وركوب المخاطر لعلهم يطفئون نيرانا تلهب أفئدتهم بعد عن أن ضاع أملهم في العثور على عمل في بلدهم يضمن لهم كرامتهم وإنسانيتهم.
مناحات في بعض الأحياء، ونحيب صامت تفضحه حناجر الأمهات المكلومات، مظاهر العزاء تبدت بنصب خيم تجتمع فيها أسر الضحايا المفترضين، لعل الشعور بالمؤانسة وتبادل عبارات العزاء في غياب أخبار رسمية تؤكد حقيقة ما وقع يخفف بعض المعاناة ما أضفى على حي بوعشوش مسحة من الألم والحزن الذي تفضحه أسارير وجوه الأمهات الحزينات منذ علمن بخبر الفجيعة.
تقول أم مكلومة وآثار الحزن العميق بادية على تقاسيم وجهها النحيل” أولادنا داهم لبحر وحتى واحد مابغا يهضر” مضيفة أنها تموت ببطء رفقة عائلتها لأن الألم يعتصر قلبها منذ علمت بالفجيعة، وزاد من معاناتها انقطاع أخبار ابنها ودون أن تتمكن من تحديد مصيره.
لا تختلف حالات أمهات أخريات يقطن في حي بياض الصمعة بوعشوش ببني ملال عن حالة الأم المكلومة السابقة، إذ نظمت العديد منهن إلى جانب أقارب الغرقى بالسواحل الإيطالية، وبمشاركة جمعيات حقوقية الإثنين الماضي، مسيرة احتجاجية جابت شوارع مدينة بني ملال، تعبيرا منهن على غضبهن من الطريقة التي يدبر بها ملف غرقى القارب الذي أصبح ككرة ثلج يزداد حجمها كل يوم، سيما بعد أن قنوات أجنبية عالمية تداولته بشكل موسع وتطرقت إلى المأساة الإنسانية التي وقعت في عرض السواحل الإيطالية وأمام أعين شرطة خفر السواحل التي صورت عناصرها المأساة الأخيرة بعد أن عجزت عن إنقاذ كافة الضحايا الذين ابتلعهم الماء بعد انقلاب المركب الذي كان يقلهم.
وتوقف المحتجون الذين كان أغلبهم من شباب المدينة وأسر المفقودين، أمام دار المغاربة المقيمين بالخارج التابعةلوزارة الخارجية ببني ملال، ورفعوا شعارات للمطالبة بضرورة التدخل العاجل للمسؤولين من أجل كشف مصير أبنائهم.
ورفع المحتجون والمحتجات الغاصبون المؤازرونبالجمعية الحقوقية “الائتلاف والكرامة” شعارات تندد بصمت المسؤولين، رغم نداءات الآباء والأمهات لكشف مصير أبنائهم أمام تضارب الآراء والأخبار الواردة من الضفة الأخرى سيما أن أصدقاء  المفقودين ومعارفهم لا يعلمون شيئا عن مصيرهم، ما حول حياة أسرهم إلى جحيم، ما عبرت عنه إحدى الأمهات المكلومات  بحرقة” بغينا ولادنا حيين أو ميتين”
وتنتظر الأسر المكلومة بفارغ الصبر أن تتدخل جهات رسمية على الأقل لربط الاتصال بالمصالح الخارجية الممثلة للحكومة لمناقشة الملف مع الحكومة الإيطالية، ومعرفة مصير العديد من الشبان الذين يعتقد أنهم في عداد المفقودين بعد أن انقطعت أخبارهم، ما زاد من حرقة الآباء والأمهات الذين ينتظرون أمل العودة وسماع أخبار أبنائهم، علما أن جهات رسمية بإيطاليا أقامت تأبينا رمزيا لغرقى “العبارة ” تعبيرا منها عن حزنها وألمها لهذه الكارثة الإنسانية.
ودخل وزير الجالية المقيمة في الخارج أنيس بيرو على الخط بعد أن طرح مستشار برلماني سؤالا محرجا في إحدى الجلسات، ليؤكد أن وزارته تهتم جيدا بملف غرقى القارب بالسواحل الإيطالية، علما أنه ربط الاتصال مع مصالح وزارته بإيطاليا لتتبع أخبار وأحوال المواطنين المغاربة سواء الذين تم إنقاذهم أو الذين يعتبرون في عداد المفقودين بهدف تقديم المساعدة لهم، وأشار في معرض حديثه إلى حالتي غرق  فقط ، في حين أن جمعيات حقوقية ببني ملال تشير إلى أرقام صادمة معززة بصور الضحايا أو المفقودين في عرض السواحل الإيطالية.
في المقابل، وبصوت حزين ممزوج بالنواح والعويل وعينان تفيضان بالدمع، ويدان تمسكان بصورة شاب في عقده الثاني، تحدث عبد الرحمان رشيد عن ولده الذي اعتبره في عداد المفقودين بعد أن أكد له أحد أصدقائه حادث غرقه” إبني يوسف  لم يستشر معي عندما قرر السفر إلى ليبيا، كنت أتواصل معه يوميا عندما كان مع مجموعة رفاقه من  في ليبيا، وكنت ألح عليه بألا يغامر ويركب قارب الموت، بل وعدته بأن أوفر له المال لكي يعود سالما، مشيرا أنه يعانى جراء غيابه أملا في أن يقنعه بالعودة إلى بني ملال لكن دون جدوى”.
وأضاف وهو يعانق صورة ابنه يوسف المفقود ويبكي بحرقة ” لم يفعل إبني ما يعكر صفو حياتي لأنه لا يعصيني، كان  يشتغل في “الزليج” ويوفر من عمله الشريف مبلغا محترما كان يوفر به حاجياته ومتطلباته، وكنت أدعو له بالرضى والعودة السليمة إلى منزله الذي افتقده ، صرنا نعيش في حداد يومي بعد أن انقطعت أخباره عنا “
وأضاف، انقطع يوسف البالغ من العمر20 عن الدراسة، واختار العمل في “الزليج”   ببني ملال، والعيش مع خاله بالمدينة ذاتها،  في حين أقطن بدوار أولاد بنعلي بمدينة ابن احمد رفقة إخوته السبعة، لكن منذ حوالي ستة أشهر قرر يوسف اليتيم بعد أن فقد والدته الرحيل إلى ليبيا ومنها إلى ايطاليا، من أجل البحث عن عمل يوفر له حياة أفضل، وتحول حلمه بالعبور إلى الفردوس المفقود إلى كابوس نغص حياة أسرته التي حلت من مدينة ابن أحمد إلى بني ملال للاحتجاج والمطالبة بالكشف عن مصير ابنه الذي يعتقد أن غرق ضمن ضحايا القارب الذي تناقلت وسائل الإعلام غرقه في السواحل الإيطالية، وطالب الوالد بالتدخل العاجل ومساعدته في العثور على جثمان إبنه لكي يضعه في قبر ويترحم عليه رفقة أسرته.
تتشبث الأسر التي تحمل صور أبنائها الذين غرقوا في السواحل الإيطالية بالكشف عن مصير أبنائها المفقودين، وتتضارب الأرقام والتصريحات حول عدد الغرقى الذين انقطعت أخبارهم منذ أن سماعها خبر الفجيعة، ورغم انقطاع أخبار العديد من الشباب الذين كانوا على متن القارب ما زالت بعض الأمهات يأملن سماع أخبار رسمية  تكشف مصير أبنائهن، ويتبدد صدى الأخبار المتضاربة التي يتوصلن بها من أصدقاء المفقودين ومعارفهم عبر وسال التواصل الاجتماعي (الفايسبوك أو الواتساب) ما يضاعف حدة معاناتهن.
” شقيقي ذهب إلى ليبيا الثلاثاء الماضي ليلا، لكن توصلنا يوم الخميس صباحا بخبر غرق الباخرة بالسواحل الايطالية…الأخبار التي نتوصل بها متضاربة،  أحد أصدقائه الناجين، أكد لنا أنه رآه وسط لجة الماء، وأخبرنا بعدها في اتصال آخر أنه اختفى” وبصعوبة تحدثت شيماء زديدو، شقيقة المفقود نبيل 24 سنة، تتحدر من حي بوعشوش ببني ملال، والدموع تنسكب من عينيها قائلة ” أخي  كان يعيش مرتاح البال، ولم يكن ينقصه أي شيء، لكن أصدقاءه في أروبا كانوا سببا في معاناته، لأنهم يرسلون له عبر “الفايسبوك” صورا يظهرون فيها أنهم سعداء ويعيشون أوضاعا مريحة، بعدها صار أخي قلقا ويفكر يوميا في الهجرة إلى أروبا بعد أن أثر عليه أصدقاؤه”
وأضافت أن أسرتها ببني ملال لا ترغب في شيء بل تريد جثة ابنها فقط” نريد أن نعلم هل ابننا حي أم ميت لتبرد النار الملتهبة في قلوبنا”
من جانبه نحدث مصدر حقوقي قائلا ” لا يوجد دليل لحد الآن على أن ضحايا القارب الذي غرق في السواحل الإيطالية ماتوا، وكل ما يمكنه قوله إنهم مفقودون وعائلاتهم تنتظر من المسؤولين التعاون مع أسر الضحايا، والعثور على أبنائهم واستقدام جثامينهم إلى المغرب، في حال وفاتهم، لدفنها لأن الأسر لن يهنأ لها بال ولن تهدأ إلا إذا توصلت بالخبر اليقين مشيرا إلى أن الأرقام التي تصرح بها  الأسر غير مضبوطة ما يفتح الباب على مصراعيه على مزيد من الآلام ويضاعف من محنة  ومعاناة الأمهات المكلومات
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. تنبيه: buy LSD online

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى