تشييع جثمان الراحل محمد العربي المساري
مبعوث الرباط : م أوحمي
برحيل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي المغربي المخضرم محمد العربي المساري تفقد الصحافة المغربية أيقونتها وذاكرتها، كما يفقد المغرب مرجعا أساسيا في ملفات الصحراء المغربية والشأن الإسباني وعلاقات المغرب بجواره الإسباني.
ولد المساري في مدينة تطوان شمال المغرب وبرز اسمه في الحقل الإعلامي والسياسي والدبلوماسي المغربي على امتداد ستة عقود من الزمن، حتى صار مرجعاً أساسياً في ثلاثة ملفات مصيرية في تاريخ المغرب الحديث، أولها حرية الصحافة وثانيها ملف الصحراء المغربية وثالثها علاقات المغرب بإسبانيا التي تشكل جزءا من إرث المغرب الحضاري ومدخله المعاصر إلى أوروبا.
ولد المساري في مدينة تطوان التي كانت مهد الصحافة والنشر بالمغرب منذ أكثر من قرن، وتدرج في مهنة المتاعب منذ منتصف الخمسينات في الإذاعة الوطنية المغربية، لكن اسمه سيلمع في صحيفة “العلم” أعرق صحف المغرب على الإطلاق، وفيها سيتدرج من محرر إلى رئيس تحرير. ارتبط اسم المساري بحركة النضال من أجل حرية الصحافة في المغرب وتولى أمانة نقابة الصحافة الوطنية المغربية، كما ألف عشرات الكتب، ودافع بشدة عن حرية الفكر والإبداع وعن لغة الضاد، ما كان سبباً في انتخابه رئيساً لاتحاد الكتاب لثلاث ولايات متتالية.
لم تمنع المساري مسؤولياته القيادية في حزب الاستقلال، من لعب دور إعلامي قيادي بمهنية عالية، بفضل قدراته العالية في إدارة الحوار وكفاءاته المهنية والفكرية ونظرته الإنسانية للأمور، واعتماده على تقنيات الأرشيف لتعزيز دوره الصحفي.
ففي زمن الجمر بالمغرب إبان الستينات والسبعينات، كان المساري في مقدمة الإعلاميين المدافعين عن حرية الصحافة، ووظف مكانته الحزبية والسياسية من أجل جعل قضية حرية الصحافة في صدارة ملفات الإصلاح السياسي التي تطالب بها الحركة الوطنية المغربية.
وعندما تولى منصب وزارة الإعلام سنة 1998 في أول حكومة تناوب في تاريخ المغرب بقيادة الزعيم الاشتراكي عبد الرحمن اليوسفي، كان هذا الأخير يقول عنه إنه “ضمير الإصلاح” وهو لا يكل ولا يمل من العمل من أجل تحقيق الإصلاحات في مجال الإعلام والسياسة.
لكنه عندما اصطدم بعقبات تحول دون تحقيق أهدافه في مجال الإعلام ترك منصب الوزارة، ليقول إنه يشعر بأنه أفضل عندما يكون صحافيا من وزير لا يخدم قضية الصحافة. ورغم أن المساري يعتبر عميد الصحافيين المغرب، فقد كان دائما إلى جانب الصحافيين الشباب يشجعهم ويساعدهم.
وكان من المهتمين بتطوير مهنة الصحافة ومواكبة تطورات تكنولوجيا الإعلام، وخصص في السنوات الأخيرة حيزا هاما لتطوير الصحافة الإلكترونية في المغرب، من النواحي القانونية والأخلاقية والمهنية.
واعترافا بخصاله المهنية ونزاهته الفكرية اختير المساري من قبل اليونسكو كعضو في لجنة حرية الصحافة “غييرمو كانو” لسنوات 2002 و2003 و2004، كما ترأس لسنوات طويلة لجنة الجائزة الكبرى للصحافة المغربية ولجنة جائزة المغرب.
أتقن المساري لغات عديدة، منها الإسبانية، لغة المستعمر السابق لموطنه شمال المغرب، ووظف إتقانه للغة الإسبانية وخبرته بالشأن الإسباني، ليصبح مرجعا أساسيا في المغرب للقضايا المتصلة بإسبانيا وتاريخ العلاقات “الشائكة” بين البلدين، كما وصفها هو في كتابه “المغرب إسبانيا علاقات صعبة” المنشور باللغتين العربية والإسبانية. وقد ألف العديد من الكتب في هذا المجال، وكان بيته في الرباط مقصدا للإعلاميين والمثقفين والساسة الإسبان، إذ كان من أهم المفكرين العرب الكاتبين باللغة الإسبانية.
واختير المساري عضوا من لجنة ابن رشد وهي هيئة حكماء تضم مفكرين وساسة مخضرمين أوكل لها العاهلان المغربي الراحل الحسن الثاني والإسباني خوان كارلوس، في منتصف التسعينات من القرن الماضي، إيجاد البدائل والأفكار الكفيلة بمعالجة الأزمات المزمنة في العلاقات بين البلدين الذين يشكلان حلقة وصل أساسية بين أوروبا وإفريقيا وبين العالم الإسلامي والغرب.
وتحمل اللجنة اسم الفيلسوف الأندلسي ابن رشد لإبراز التراث الحضاري المشترك بين المغرب وإسبانيا. وعين المساري سنة 2000 عضوا بمجلس إدارة مؤسسة الثقافات الثلاث بإشبيلية، وهي مؤسسة متخصصة في إدارة الحوار بين معتنقي الديانات السماوية الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية.