ثقافة وفن

مسرحية ” باراكا ” أو عندما يتحول حلم الهجرة إلى كابوس

العين الإخبارية

شهدت قاعة العروض بدار الثقافة بمدينة بني ملال، أخيرا، العديد من العروض المسرحية التي استقطبت جمهورا فنيا افتتن بعرض مسرحيات لامست الواقع المعيش لشباب المنطقة الذين يبحثون عن فرص الشغل، لتجسيد إنسانيتهم، لكن بعد أن يستبد بهم اليأس والقنوط يركبون قوارب الموت بحثا عن الخلاص.

عرضت فرقة أبي الهيثم ببني ملال” باراكا”  التي تلامس واقع الشباب وطموحاتهم المستحيلة التي ترنو إلى العيش بعيدا عن دائرة الحرمان والتهميش ، وتابع العرض المسرحي جمهور غفير من عشاق أبي الفنون الذي استمتع لحظات مع مختلف المواقف التي ترصدها المسرحية التي قال عنها، الفنان المصطفى غانيم،  إنها عرض مسرحي تيمته الأساس هي الهجرة السرية ، وتدور أحداثها في فضاء رئيسي بمنزل خرب( التشابولا ) وتتداخل فيه فضاءات متوهمة، كالمطبخ والمرحاض وغرفة النوم عبر إشارات مختزلة، وقطع ديكور وعلامات بصرية (طاولة ، كرسيان ، سريران ، أواني … ) و تتحرك فيه شخصيتان  هما سعيد والعربي .

سعيد مجاز معطل، اضطرته ظروف البطالة إلى الهجرة، والعربي فلاح حتمت عليه أزمة الجفاف بيع أرضه ومغادرة الدوار نحو بلدان ما وراء البحار التقيا في بلاد الهجرة، وأصبحا مهاجرين سريين، يأملان لتحسين وضعيتيهما الاجتماعية والاقتصادية في بلاد الغربة، لكنهما يصطدمان بواقع مر أحبطهما.

سعيد والعربي التقيا صدفة، وافترقا دون أن يحققا أحلامهما، ظلا ينتظران شخصا قد يأتي وقد لا يأتي حاملا في يده أوراق إقامتهما، وما بين اللقاء والافتراق يتعرض النص لعدة قضايا منها الاستغلال في العمل داخل الوطن وخارجه، والمعاناة النفسية من أجل الحصول على أوراق الإقامة، وأسباب الهجرة، والحرمان والهروب والمطاردة والبوح، تلك هي رحلة سعيد والعربي في بلاد الغربة.

كما تحدث المصطفى غنيم عن زمنين مغايرين لكنهما متكاملان، زمن الحاضر، وهو لحظة آنية تتحكم في سيرورة أحداثه شخصيتان، الأولى سعيد وهو مجاز معطل، يتمتع بشخصية ثائرة متوترة وقلقة وتتمثل في سخريته وحركاته ونظراته، وطريقة لباسه الذي يبدو منه رجلا أنيقا مثقفا. أما الشخصية الثانية “العربي ” فلاح ذو شخصية بدوية غير مبالية تتجسد في طريقة لباسه غير المنسجم من حيث الألوان .                             

أما الزمن الماضي فهو لحظة ماضية تتأسس على استرجاع بعض المشاهد( فلاش باك) وتنبني أحداثه على استحضار العلاقة المأزومة بين سعيد والعامل وأبيه من جهة وبينه وبين مدينته من جهة أخرى ، وبين العربي وأهل الدوار، وتقوم الشخصيتان بتشخيص هذه الحالات المشهدية السريعة والقصيرة  التي تغذي الأحداث الرئيسية وتدفع بها إلى الأمام لتأخذ طابعا استرجاعيا، وتستبعد كل عوامل الرتابة والملل التي يمكن أن تتسرب إلى عوالم المتلقي، خصوصا وأن العرض يعتمد في كثير من الأحيان على الحكي والبوح ، ولكنهما سرعان ما يستعيدان حالتيهما الطبيعية بنوع من البريختية ما يخلق تنويعا في الأداء لدي الممثلين، وتنوعا في عناصر الفرجة لدى المتلقي. كما تعطي هذه المشاهد المتقاطعة والمتداخلة والمتصلة و المنفصلة الانطباع بأن العرض لا يعتمد نصا محددا ، وإنما هو عبارة عن ” كولاج ” مسرحي “

وعن التصور الإخراجي لهذا العرض يقول المخرج الفنان عبد الهادي الفلالي، إن أحداث العرض تقوم على الاختباء والمطاردة، مطاردة الشرطة للمهاجرين السريين، سعيد والعربي. وقمنا باستغلال هذا المعطى لصالح العرض من خلال التركيز على إيماءات الخوف، وكذا الغوص في الأعماق النفسية للشخصيتين بالتركيز على لحظات الصمت والنظرات الخائفة، وفي إطالة سعيد النظر إلى النافذة وإطلالاته المتكررة من وراء ستارها نحو الخارج، وفي الحركة الدائمة الدائبة نحو الباب من أجل التنصت لمعرفة ما إذا كان هناك شخص قريب من الباب.

وأضاف أن المفارقة بين الحالات النفسية لسعيد والعربي، والعلاقة المأزومة بينهما القائمة على الثنائية الضدية،  التوتر/ اللامبالاة، وهذا التناقض في الشخصيتين والملمحين فرض علينا تنويع الإيقاع بين السرعة والبطء، واستثمار لحظات الصمت لتأكيد ذلك التباعد وتلك المفارقة  كما فرضت علينا نبرا متعددا في الصوت زاوج بين الارتفاع والخفض من أجل الوصول إلى درجة عالية من التواصل بين العرض المسرحي كإبداع ، وبين المتلقي كمصدر وهدف معني بكل ما يقدمه العرض من رسائل وعناصر فرجوية.                                                

ومن أجل تكسير الرتابة في اللغة الحوارية وتنويع اللغات الدرامية وإعطاء العرض المسرحي وظيفة شاعرية ودينامية موسيقية وإيقاعية تم توظيف أغان وموسيقى تمتح من التراث الموسيقي الشعبي المغربي تتماشى أنغامها والموضوع العام للعرض، حسب الحالة النفسية والمشهدية.

وتجدر الإشارة إلى أن إنجاز هذا العرض المسرحي أشرف عليه طاقم فني وتقني محترف راكم تجربة فنية وغنية في العمل المسرحي والتلفزيوني وكذا السينمائي ، وهكذا نجد في التأليف الفنان المسرحي والحكواتي المصطفى غانيم، وفي الإخراج الفنان المسرحي والتلفزيوني والسينمائي عبد الهادي الفلالي، أما في السينوغرافيا فنجد السينوغراف والفنان التشكيلي خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي الحسين الهوفي ، وفي الإضاءة والمؤثرات الفنان حسن بلكبير، أما في التوثيق والمتابعة نجد الفنان رضوان أكنكاي ، وفي العلاقات العامة الفنان أيوب الوردي .

                                                                                                      سعيد فالق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى