ثقافة وفن

طلحة جبريل : الطيب صالح.. المسافر

نظرلما يحمل المقال من مشاعر نفسية عميقة انتابت الكاتب الصحفي طلحة جبريل أمام قبر كاتب وروائي فذ، كانت كتابته مفصلية في تاريخ الرواية العربية” الطيب صالح الكاتب السوداني الذي أثارت روايته سنة 1966″ موسسم الهجرة إلى الشمال” نقاشات حادة بين نقاد الرواية العربية الذين أجمعوا أنها لامست بعمق المواجهة المباشرة بين قيم الشرق والغرب مجسدة في بطل الرواية مصطفى سعيد.

طلحة جبريل يقف بإجلال أمام قبر الطيب الصالح
عندما وقفت أمام قبر الطيب صالح في ذلك النهار القائظ، قفزت دمعة إلى المآقي.على الرغم من أنني سبق وأن زرت قبر هذا الرجل العظيم والكاتب الذي يوجد خارج أي تصنيف، لكن هذا المرة كان الحزن طاغياً.تولد لدي شعور غريب ومثير. شعور بحالة ضيق من دنيا الناس. لم يكن لدي أي تفسير لذلك.تذكرت عبارته الدالة في رواية “موسم الهجرة إلى الشمال”. عبارة تقول :”كلنا يا بُني نسافر وحدنا في نهاية الأمر”.

بدا لي وكأنه يتحدث معي ويردد تلك العبارة المزلزلة.كان القبر في حالة يرثى لها. لا أحد يصدق بأن تحت ترابه يرقد ذلك الذي جعلنا نقول وكنا وقتها طلاباً “نحن من بلد الطيب صالح”.يبدو أن من كتب شاهد القبر كان في عجلة من أمره. لم تكتب حتى صفته، وهو الكاتب الذي ترجمة كتبه إلى قرابة ثلاثين لغة.أنقل لكم حرفياً ما كتب على شاهد القبر الإسمنتي:” الطيب محمد صالح هكذا فقط لا غير. قرأت ما تيسر ترحماً على روحه.كان المكان صامتاً. بقيت واجماً أتذكر.تذكرت أن الطيب صالح في جميع كتاباته حاول أن يقيم جسراً بينه وبين عالم جميل عاشه في طفولته وفي صباه واغترب عنه دون سبب واضح، خاصة أنه كان ملتحماً مع بيئته المحلية. عندما طوحت به الأيام إلى لندن التي ألهبت خياله، كتب رواياته ومجموعاته القصصية: “نخلة على الجدول” و ًدومة ودحامد ” و”عرس الزين” و “مريود” و”ضوالبيت”، “منسي إنسان نادر على طريقته” ثم رائعته “موسم الهجرة إلى الشمال”.ظني أن الطيب صالح قد كتب ما كتب من أعمال رائعة، تحت ضغط حنين جارف إلى بيئته الأصلية، التي غادرها دون سبب واضح. اجتهد كثيرون في تصنيف الطيب صالح من خلال كتاباته، لكنه لخص نفسه قائلاً “أنا إنسان بسيط، المتدينون يعتبرونني ماجناً والمعربدون يحسبونني متديناً “.في سياق ذي صلة يقال الكثير عن مواقفه السياسية، والمؤكد أنه أفضل من كتب عن هذا الأمر.يقول في هذا الصدد “الأوطان هي التي تبقى وأن الهدف يجب أن يكون بقاء الوطن وليس بقاء أي نظام”.ثم هناك جملته المدوية عن حال السودان :”هل مازالوا يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن و الناس في ذعر؟ وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟ من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل من هؤلاء الناس ؟”.كان الطيب صالح في حياته أكبر من الحياة، وسيبقى بعد رحيله أكبر من الموت. رحمة الله تغشاك في كل النهارات والليالي يا أبا زينب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى